jeudi 8 novembre 2018

بيان عن فرية - للشيخ عبد الخالق بن محمد ماضي حفظه الله

الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:
فقد سألني أحد الإخوة الحريصين على الخير عن كلام ينسب لجمعة ـ متولّي كبر هذه الفتنة في الجزائرـ؛ مفاده أنّني أنا والشّيخ عزالدين رمضاني، ومعنا الشّيخ توفيق عمروني ذهبنا إلى أحد المشايخ في الحجاز للتّوبة عنده، ثمّ ـ كما نسب إليه ـ أنّ صعافقة المدينة ـ كما يقول هوـ عرضوا علينا الوقوف معهم ضد محمد بن هادي، وهم يستصدرون لنا التّزكيات من اهل العلم، وتعليقي على هذه الفرية يكون كالتالي:
/ 1 إنّ القضيّة محالة إلى مجهول، والأخبار عن المجاهيل غير مقبولة.
/ 2 هذه الحكاية البهلوانية التي هي من وحي المجلس الاستشاري الأعلى لهيئة المفرّقين والتي ـ إن صحّ الخبر ـ يكون مصدرها اثنان لا ثالث لهما:
إمّا جمعة متولي كبر هذه الفتنة، وهذا الأقرب؛ لأنّه متخصّص في الافتراء على الخلق، واختلاق الحكايات، ولهذه الفرية أخوات.
أو أنّ مخترعها محمد بن هادي نفسه.
فإن كان الأخير فإنّنا لم نلْقَه مع مراسلتنا له بطلب اللّقاء ولكنّه تعلّل بأنّه خارج المدينة، وتجدون مرفق المراسلة التي بيننا وبينه، وقال بعدها لزهر ـ المرجف في البلاد ـ: إنّ محمد بن هادي رفض الجلوس معهم. وباقي من جلسنا معهم من أهل العلم ليسوا معهم في هذه الفتنة، وأمّا الشّيخ ربيع فلم نتمكّن من الاجتماع معه، لما ألمّ به من مصيبة موت زوجته يرحمها الله، وكذا مرضه الشّديد آنذاك.
/ 3وأمّا من سمّاهم الصّعافقة فلم نلتق بواحد منهم إطلاقا، وليتنا فعلنا، والله المستعان.
/ 4 وأمّا التّوبة ـ إن كان يوجد ما نتوب من أجله ـ فهي لله وحده لا شريك له، فهو ربّنا ومعبودنا، ووالله ما سافرنا إلا لأجل البحث عن قاعدة للاجتماع بمن يحاربوننا ويعادوننا اليوم أكثر من معاداة أعداء ربّ العالمين، وإلى الله المشتكى والمآل.
5/ إنّ في هذا الكلام غمزا شديدا في العلماء المقصودين باستصدار التّزكيات منهم، لأنّ مفاده أنّهم متحزّبون لأنفسهم، ويزكون من معهم ولو كان منحرفا على رأي جمعة ـ إن كان هو القائل ـ، أو أيّا كان القائل لهذا الهراء الممجوج، وهذا اتّهام خطير جدّا لم نسمع أو نقرأ مثله عن خصوم هؤلاء العلماء والمشايخ، والله المستعان.
فليتّق الله من يفري مثل هذه الفرى، وليتذكّر أنّ كل من كانت في نفسه دسيسة شرّ نحو الإسلام أو المسلمين فإنّ الله سيفضحه ولو بعد حين، وأنّ السّيّئة تقبح جدا إذا تبعتها سيّئة مثلها، والله تعالى يقول: ياأيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين.

كتبه الفقير إلى الله وعفوه: عبد الخالق بن محمد ماضي ليلة الجمعة ٢٤ صفر ١٤٤٠

mercredi 7 novembre 2018

من أصول أهل السنة التميز والتمايز في زمن الفتن لفضيلة الشيخ العلامة عبد الله البخاري حفظه الله


بسم الله الرحمن الرحيم
من أصول أهل السنة التميز والتمايز في زمن الفتن
لفضيلة الشيخ العلامة عبد الله البخاري حفظه الله

الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم و بعد:

نحمد الله جلّ وعلا الذي لا يحمد إلاَّ هو جلّ و عز، فله الحمد كله و له الخير كله وبيده الخير كله سبحانه.
الحقيقة الكلمة هي تذكرية، كلمة تذكرية مختصرة، و خير الكلام ما قل ودل، و هذه الكلمة بارك الله فيكم لها مناسبة و أرى أهمية التذكير بها الآن في مثل هذه الأوقات، أوقات الفتن،فتن في الشهوات و فتن في الشبهات و كثرة على الناس و فتحت عليهم من أقطارها يمنتاً و يسرة، فما أكثر دعاة الشهوات و ما أكثر دعاة الشبهات و العياذ بالله، و كلٌ من السبيلين أو من الطريقين خطير، و كلهما نذير شر لمن سلكه و لا شك أن أعظمهما هو طريق الشبهات، أعظم من الشهوات و إن كان الشهوات لا يستهان بها أيضاً، الشيطان حريصٌ كل الحرص أن يخرج العبد عن الصراط المستقيم الذي يدعوا في كل ركعة أن يهديه إليه لقوله اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ.
حريصٌ كل الحرص أن يخرجه إما شهوات إما شبهات، أهم ما يكون عنده أن تخرج عن هذا الصراط لأنك إن خرجت عن هذا الصراط ضللت و هلكت و أهلكت غيرك فقد تكون سببا لفتن آخرين نسأل الله العافية و السلامة، فيحتاج الواحد منا دائما أن نذكره و أن نتذاكر و هذا من التواصي بالحق و التواصي بالصبر: (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)
لماذا نقول هذا يا إخوان؟ لأن كثير ممن نرى من إخواننا و بعض سواءً هنا أو هناك في بلدانكم لعلكم ترون أنتم و سمعتم و شعرتم أن بعض إخوانكم كانوا معكم فابتعدوا، منهم من اجتالته شياطين الشهوات، و منهم من اجتالته شياطين الشبهات و هذا كثير لكثرة الفتن، و لا تظهر الفتن و تكثر إلاّ لسبب و هو قلة العلم السني الصحيح، فأحببت أن أذكر بهذا لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، و شيء يؤلم حقيقتاً ما يحصل شيء مؤلم و يحز في النفس و يدل القلب و يحرز الإنسان، و لكن هذه سنة الله الكونية جلّ و على و شاء ذلك و قدره سبحانه.

هذه المسألة تتعلق بالتميز و التمايز، هذه القضية قضية التميز و التمايز قضية محوريةٌ جوهريةٌ مفصليةٌ، نعم جوهريةٌ و محورية و كذلك مفصلية يعني عندها تتباين الطرق و تظهر العلامة و المعالم لأن الله جلّ و على يقول: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)
لابد أن يتميز الخبيث من الطيب و أن يتمايز أهل الطيب الطيبون من أهل الخبث و الخبائث و العياذ بالله لابد، فهذه قضية الآن تكاد بسبب كثرة الفتن أن تذوب، و أن لا تكون محورية و لا يدور حولها راح الولاء و البراء و الانتصار للحق و نصرة أهله، فأقول بارك الله فيكم قضية التميز و التمايز، هذه القضية يعني من القضايا كما قلت مهمة و محورية و مفصلية في مثل هذه الأوقات بل هي أصلٌ يسير عليه أهل العلم من قديم، لأن الآيات جاءت به و النصوص جاءت به دالة، منها الآية التي ذكرناها من قبل قوله جلّ و على: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ
ويقول جلّ و عالى: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ
ويقول جلّ و على: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
والله يقول آمراً نبيه عليه الصلاة و السلام: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ
آيات كثيرة و لهذا جاء عنه الصلاة و السلام في حديث العرباض ابن سارية الشهير المشهور المخرج في السنن و هو حديثٌ حسن، نعم في قوله عليه الصلاة و السلام لما حكى للصحابة و وعظهم، قال: ((وعظنا رسول الله صلى الله عليه و سلم موعظة وجلت منها القلوب و ذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا-والوصية لا تكون إلاّ فأمرٍ مهمٍ و هام و عظيم-، فقال: أوصيكم بتقوى الله عزوجل، و السمع و الطاعة و إن تأمر عليكم عبدٌ حبشي،-كأن رأسه زبيبة فب بعض الروايات-، و قال عليه الصلاة و السلام عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي،-تمسكوا بها-، عضوا عليها بالنواجذ، و إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة،-وقبل هذا يقول:فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، كيف العصمة؟، فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين، لماذا يتمسكون بالسنة؟، لأنها تميزكم، و تمايزكم عمن سواكم)) و كذلك يقول صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح عند أحمد و غيره: ((اقْتَدُوا بِاللَّذينِ من بَعدي: أبو بكر، و عمر))، آياتٌ و أحاديث كثير تدل على أن النبي عليه الصلاة و السلام حث أمته على متابعته و متابعة أصحابه من بعده لماذا؟، لأن في متابعته الهدى و النجاة و الفلاح و الخير و السعادة في الأولى و الآخرة.
فالتميز بارك لله فيكم أقول و التمايز، تتميز بماذا؟، نحن نسعى بأن نقول التميز، التميز في أي شيء؟، التميز في صحة الاعتقاد و صوابه طبعا و صحته، توحيد الله جلّ و عزّ، إفراد رسوله عليه الصلاة و السلام بالإتباع، يعني الصدق في تجريد التوحيد مع صدق تجريد الإتباع لرسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم.
التميز بالتمسك بهذا الدين قلبا و قالبا، عقيدتا و شريعتا و منهاجا و غير ذلك، و أدبا و سلوكا و معاملتا.
و التمايز إذا تربية على العلم الصحيح المبني على الوحيين، و عظمة الأمر و النهي تميزت و تمايزت على أهل البدع و أهل الفسوق و الفجور و الكفر و العناد، قال الله جلّ وعلى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)
لابد من التميز و التمايز في صحة الاعتقاد وسلامته و الطريقة و السير و الإتباع، نعم و التمايز و المفارقة لجميع من خالف الحق من المشركين و أهل البدع و الفسوق و الفجور و غير ذلك ممن يخالف الحق، كبر أم صغر.
ولعل المتأمل في سيرته عليه الصلاة و السلام، و في سيرة الصحابة بل و في سيرة أيضا المصلحين الذين جاءوا بعد عهد النبوة يجد أنه قد اجتمع فيهم هذان الأمران: (التميز و التمايز)، النبي عليه الصلاة و السلام قبل أن يؤمر بالصدع بالحق كان يلقب عنده بإيش؟ بالصادق الأمين، يقولون الصادق الأمين و يصفونه و أنه و أنه، لكن بعد أن أمر من الله جل و على بالصدع،(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) ï*گ
لما أمرهم بالحق و صدع به فارقوه، و هو بهذا الصدع قد تميز بصحة الاعتقاد و مايزهم، أنتم عظمتموني من قبل وصفتموني بالصدق و الأمانة، و كنتم تحتكون به مجربنا عليك كذباً، لكن لما جاءت الساعة التي يجب فيها الفصل، و كما قلت قضية مفصلية، لما جاء الفصل فصل و نطق بالحق و لو عاداه من عاداه، فقال له عمرو و أبو لهب: تبًا لك لهذا جمعتننا، و بدؤوا يسلطون عليه السفهاء و قالوا: ساحر و كاهن و كذاب و مجنون ووو، يريد ملكً يريد كذا يريد يريد و يريد، نقضوا كل الذي كان يصفونه به، فتميز صلى الله عليه و على آله و سلم بأن دعا الناس إلى الهدى و مايزهم و فارقهم و باينهم، كل الذين لزموا هدي رسول الله و آمنوا به كنوا يسمونهم (الصابئة)، فحاولوا ردع الناس و دفع الناس عن قبول الحق، و لم يرجع هؤلاء المؤمنين لأن الإيمان قد دخل القلوب و خالط بشاشتها و استقر فيها خلاص، أحدهم يقول لأمه: لو كانت لك مائة نفس تخرج الواحدة تلوى الأخرى ما تركت هذا الدين، ما تركت هذه مفارقة من كل وجه، مفارقة من كل و جه تميز و تمايز ع الثبات على الحق، لما النبي عليه الصلاة و السلام كان يمر ببعض أصحابه في مكة يجلدون و يضربون بسبب إسلامهم، قال له بعض الصحابة كما في البخاري، قال له يعني أدع الله يا محمد أن-يخفف عنا يعني-، أدع الله أن يخفف عنا، غضب النبي عليه الصلاة و السلام قال: إنما كان من قبلكم،- يعني من المؤمنين-، كان أحدهم يأتى به فيوضع المئشار،-أو المنشار-، في مفرق رأسه على أن يرجع عن هذا الدين ،أو-عن الدين-، فلا يرجع حتى يفلق فلقتين، ثبات على الحق، تميز بهذا الثبات، فهذا سيد الخلق صلى الله عليه و سلم على هذا حاء و بهذا صدع، و على هذا ربى أصحابه، كذلك أبو بكر رضي الله عنه أنظر في حين وفاة رسول الله عليه الصلاة و السلام طاشت عقول كثير من خيرة الناس لأنه أمرٌ عظيم و فاته عليه الصلاة و السلام، حتى إن عمر كان يقو: (من قال أن محمداً قد مات ضربت عنقه)، من هول الفاجعة، لكن ثبت الله المؤمنين بأن يسر لهم و سخر لهم أبو بكر رضي الله تعالى عنه قال: (من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات، و من كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت)، شوف هذا التميز في صفاء الاعتقاد و صحته، و التمايز عندما يثبت و لهذا قال العلماء: (ردةٌ لا أبا بكرٍ لها، و محنةٌ لا أحمد لها)، لأن أبو بكر الصديق الأكبر ثباته في هذه الفتن كان فيه تميز و تمايز لأهل الحق، قالوا له: مع الحوار الذي جرى بينه و بين عمر رضي الله عنه في محاربة مانع الزكاة، قال: (والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤذونه لرسول الله عليه الصلاة و السلام لقاتلتهم عليه)، تميز و تمايز حتى في هذا الموقف تمايز عن عمر رضي الله تعالى عنه، لأن القضية قضية ما تتحمل و بين له أن دفع الزكاة من حق لا إله إلا الله، فرجع عمر إلى قوله رضي الله تعالى عنهم جميع، و هكذا لو استعرضت جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم تجدهم أنهم تخلقوا بهذه الأخلاق و بهذه المبادئ، إذا ما تأملت بعد هذا مثلا قصة أخرى في الصحابة: مناظرة عبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنه للخوارج مثلا: لما اجتمعوا في حاروراء و كانوا نحو من ستة آلاف كما في مستدرك الحاكم بإسنادٍ صحيح، لبس أحسن الحلل التي عنده و خرج و تزين، ما كان يلبس هذا، لكن يعلم بأنه سيقدِم على قومٍ جهلة ما عندهم فرقان، ليس عندهم تميز في صحة الاعتقاد و ما عندهم تمايز عن أهل الأهواء بل هم أهل الأهواء، و تمايزوا و فارقوا أهل الحق، و مفارقة أهل الحق مفارقة للحق، انتبه مفارقة أهل الحق مفارقة للحق، لهذا قال غير واحدٍ من السلف: (إلزم الحق، يلزمك الحق)، فلما خرج إليهم و جاءهم و هم جموع و ستأذن عليًّ رضي الله تعالى عنه فقال: إني أخشى عليك، قال: لا تخشى عليّا، ليش يخشى عليه؟، لأنهم قوم يستبيحون الدم، نابذوا أهل الحق بأمور و منها: فساد الاعتقاد، و مايزهم أهل الحق بصحة الاعتقاد، فلما قدم عليهم و حاورهم و هو واحد و هم ستة آلاف قسمة عجيبة يعني، لكن جاءهم و يحمل معه سيف عظيما سيف العلم و السنة بس، جاءهم و هو يحمل معه سيف العلم و السنة الذي تميز به في ذلك الموقف و تمايز به عنهم وفارقهم و أقام الحجة عليهم، و رجع من القوم نحو من الثلث، و يقول رضي الله تعالى عنه: و قتل سائرهم على ضلالة.
ممن لم يرجع، تميز بصحة الاعتقاد و صفائه و سلامته، و تمايز عنهم و أظهر الحق و أبان الحجة، بالحجة و البرهان و هكذا.
يعني أنت لو تتأمل في أوقات الفتن التميز يجب أن يكون مطلوب، التميز مطلوب في أوقات الفتن، ما يمكن أن تخوض مع الخائضين(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ينفع، هي صفة مذمومة، لابد من التميز بالثبات على الحق، لأن الله يقول: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
فنجد أن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كما قلت ما عناهم إلاّ بسيفٍ واحد و هو سيف الإسلام و السنة، فقطع كل الحجج التي هي عندهم و اجتزّها من أصولها و هكذا في الأئمة المصلحين، و هذا الإمام أحمد إمام آهل السنة في هذه الفتن التي جلد و ضرب و سجن من أجلها، الفتن العظيمة هذه الفتنة (القول بالخلق)، ثبت و تميز صحيح؟ و تمايز، تميز بصحة الاعتقاد.
يا أمير المؤمنين إتيني بآية من كتاب الله أو بحديث من سنة رسول الله، أقول به.
شوف اجتمع العلماء و اجتمعت الناس أرادوا أن يجلدوه و يضربوه، و جلدوه و سجنوه و ما رجع، و تمايز أيضا عنهم بماذا؟، بالثبات و مباينة مواقفهم حتى لا يحسب أن يقول هذه المقولة، ولذلك غضب من علي ابن المديني و بعض الأئمة الذين ضعفوا و استجابوا للفتنة ضعف بعضهم و استجاب مكرها، لكن الإمام أحمد غضب عليهم لأنهم أئمة محل أنظار الناس، و الناس تقتدي بهم و تتأثر بهم، فإذا هذا الإمام المعروف ما عنده التّمايز و التميّز الظاهر وعنده في الباطن ما عنده فالظاهر نعم هذا يُضعف السنة في قلوب الناس، يُضعف قوة الدين في قلوب الناس، و لذلك غضب رضي الله عنه منهم، و كانت له أحاديث للإمام علي ابن عبد الله المديني أمر ابنه عبد الله أن يضرب على كل أحاديث علي ابن عبد الله المديني من كتابه المسند، تميّز و تمايز و ثبت و لهذا الآن تقول إذا قال لك إنسان القول بخلق القرآن قول من ؟، تقول قول الجهمية مشاء الله هكذا و أنت مرتاح، هذه الكلمة حتى وصلتك و أنت مرتاح متكئ على السارية، هذه راحت فيها نفوس، و عذب فيها أئمة و سيما فيها الإمام أحمد سوء العذاب، الإمام ابن تيمية رحمه الله من الأشاعرة و الروافض و الصوفية و غيرهم اجتهدوا عليه ألبوا الحكام و ألبوا الولاة و ألبوا علماء السوء، و كتبوا و ألفوا ووو و إلى آخره، تميز المسكين رحمه الله بالثبات على الحق و الكتابة فيه و الرد على المبتلين و مجابهتهم جميعا بشتى صنوفهم حتى قالوا و أصدروا مرسوما سلطانيًّ بأن ابن تيمية كافر و أن من يقول بقوله فهو كافر و كذا، و أمر الوالي الخليفة أن تقرأ هذه المقالة و هذا الاعتقاد و أنه كافرٌ مرتدٌ على المنابر يوم الجمعة، بيان يقرأ على الناس من على المنابر بتكفير ابن تيمية و أن اعتقاده اعتقاد كفر، و أنه استتيب من هذا الكفر.
شوف كل المساجد كانوا يقرئونها يوم الجمعة ما رجع، و لذلك كان يمشي و معه ثلاث أو أربع من طلابه بس كل الناس نفرت منه رضي الله عنه و رحمه ثبت، الآن في أيما بلد في سيبيريا أو في نيجيريا، أو في أمريكا أو في اليمن أو في أي مكان تدرس كتب الاعتقاد من الكتب التي تدرس (الواسطية)، و هذه الكتب صحيح؟ في بيان اعتقاد أهل السنة و الجماعة في جملة من الأبواب .
و الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كذلك جاء في بيئة كلها شرك و أوثان و خرافة و بدع و ضلالات، تميز بماذا؟، بصحة الاعتقاد و دعوة الناس إلى هذه العقيدة الصحيحة إلى أن يعبدوا الله و يوحدوه لا يطلبون الأشجار و الأحجار و لا القبور و لا غيرها، يطلبون رب الأرباب جلّ وعلى و يخلصون له في العبادة و دعا و دعا و أوذي و لزال يؤذى أما تنسب الوهابية وهابية في كل مكان؟، نسأل الله العافية.

لكن هذا شرفٌ عظيم تميّز بهذا رحمه الله ليتمايز بهذا الكلام و ليمايز أهل الأهواء جميعا، فإذا ما دعوة إلى التوحيد أنت وهابي فهذه نعمة له و منقبة.
أقول هكذا أهل الخير و الصلاح و الإصلاح يتميّزون و يتمايزون، و أنا استعرضت لكم يعني التاريخ باختصار مع السنة الفعلية و القولية، نعم و تاريخ الأئمة المجددين و لعلي أذكر بكلمة لعلكم سمعتموها كثيرا هي كلمة للإمام الألباني رحمه الله في قول لما كان يتكلم عن قضية (التصفية و التربية)، فيقول دائما تصفية و تربية تصفي إيش؟ على إيش تصفي على العقائد و الأخلاق و المعاملات و كذا و كذا، و تتربى على السنة، إذا صفية و تربية لابد شئت أم أبيت رغما عن أنفك سيكون عندك تميّز و تمايز إن كنت مخلصا شئت أم أبيت مهما يكن، و لهذا يذم ذا الوجهين، قد ذم النبي عليه الصلاة و السلام ذا الوجهين، يأتي هؤلاء بوجه و هؤلاء بوجه مذموم لما؟، ما عنده تميز، و لا عنده تمايز، صحيح؟، و هذا الذي يكون بهذه الصورة لا ينصر حقا و لا يرد باطلا، الذي يكون بهذه الصورة لا تنتظر منه نصرة حقٍ و لا ردٍ على باطل و هم الذين قال فيهم شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين قال: (لا للإسلام نصروا و لا لأعدائه كسروا)، فلا يمكن أن تأتيك هذا و يقوى في قلبك و في أمرك فسأله التميز و التمايز إلاّ بالعلم السني كما قلت العلم السني الصحيح الصافي، الآن عندك عين أنت عطشان ترد تشرب ماء، جئت إلى نبعين أحدهما كدر، فيه ماء لكنه فيه كدر عير صافي فيه أتربة و فيه وسخ و فيه كذا، و آخرٌ مجاور له صافي ترى قاع النبع من أيهما تشرب؟
من الصافي هذا هو الواجب العلم السني الصحيح الصافي تأخذه من معينه الذي لا ينضر و لا يتكدر و لا تكدره الدلاء أبداً بل كلما نزحت منه فاض و لعلي أختم بأن التميز و التمايز هو سمة أهل السنة إلى قيام الساعة، حديث الدجال عندما يخرج في آخر الساعة و في آخر الزمان و الحديث عند مسلم و غيره في الصحيح حديثٌ طويل لما يأتي الدجال إلى المدينة، و يقول في الحديث عليه الصلاة و السلام: أنه ترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج منها كل مشركٍ و منافق و عندما يأتي على أنقاد المدينة يريد أن يدخل على كل نقدٍ منها عليها ملكان يردانه، فيخرج إليه شابٌ في الحديث قوله عليه الصلاة و السلام: يخرج إليه شابٌ من أهل المدينة بهذا اللفظ (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) كما في الصحيح عند البخاري و غيره.
فقال: يخرج إليه شابٌ من أهل المدينة فمعلوم أن هذا الدجال فتنة عظيمة يقول للسماء أمطري فتمطر، يقول للأرض الجدباء أنبتي تنبت، يمشي إلى أرضٍ تخرج و تمشي ورائه الكنوز فتنة عظيمة فتنة عظيمة جداً، فلما يخرج إليه هذا الشاب قال: يكفر به و لا يؤمن به قال: فيشق الشاب إلى نصفين ثم يمر من وسطه فيقول: إحيا فيحيا فيرجع بعد أن قسمه، طبعا هذا قسمته أمام الناس المجتمعة يزيدهم إيمانا به أعني بالدجال، و عندما يقول له ارجع و يرجع يزيدهم أيضا إيمانا به لأنه قادر قطعه و رده شوف الفتنة هذه نسأل الله العافية، فيقول له ماذا تقول قال: ما ازددت بك إلاّ كفراً أنت الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه و على آله و سلم، شوف احتج بالمعصوم عرف الشاب أن العصمة في أوقات الفتن بماذا؟، بالعلم السني الصحيح الصافي هو ما سمع رسول الله لكنه قرأ حديث رسول الله، حدّثنا عنك رسول الله شوف، فيحاول أن يقتله مرة ثانية لا يستطيع، عصمة تميز هذا الشاب بصحة الاعتقاد و صفائه و نقائه و صدق الإتباع، و تمايز عن الذين تبعوا الدجال ما تبعوه سيتبعونه تمايز عنهم و فارقهم و ما اغتر بكثرة من سيصحب الدجال، لا يمكن بحال من الأحوال تظن النجاة في غير الالتجاء إلى المعصوم أبدا حط هذا في أذنيك و جعله في قرارة قلبك (العصمة و النجاة في لزوم الحق و إتباعه أبدا مع التمايز)، هذه القضية كما قلت مفصلية محورية قضية جوهرية تكاد أن تذوب و يسعون في كل مكان في إذابتها ذاب أهل الحق و كانوا يحملونه مع أهل الهوى و الباطل بحجة التآلف و التقارب و كذا و الحوارات و ما أدري إيش و الكلام الفراغ الآن، يضربون ضربا لا هوانة فيه أهل الشهوات و أهل الشبهات كلٌ يضرب لما رأى منك الترنف و عدم اللزوم و الثبات بدءوا يضربون صاحب الشهوة يضرب و صاحب الشبهة يضرب هذا له نصيب و هذا له نصيب تقاطعت المصالح خذ من هذا و أنا آخذ منه و في ضعف من أهل الحق و حملته و إذا تميزت رموك عن قوس واحدة هذا فيه لازال على الأمر العتيق و هذه نعمة الأمر العتيق، أو أنه فيه شيءٌ من التشدد لزومك للسنة صار وصلت عار عند كثيرين حتى ممن ينتسب إلى حملة السنة و لا حول و لا قوة إلاّ بالله، حمل السنة ليس هي شهادات، حمل السنة ليس هو حفظه فقط و عدم إقامة السنة في النفس و العمل بها، هذا الشاب و أنه أخبر عليه الصلاة و السلام كما في الصحيح: أن الدجال مكتوب بين عينيه كافر يقرأها كل مؤمن ما هو لازم يكون بروفسور و لا دكتور و لا كذا، حتى لو كان لا يقرأ و لا يكتب لكنه على السنة يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ
فهذا الذي أرغب أن أذكركم به و أذكر نفسي كذلك نسأل الله جلّ و على لكم و لنا الثبات و العون و الإعانة فلا يدرك خيرٌ إلاّ بعونه جلّ و على، و صلى الله و سلم و بارك على رسول الله و على آله و صحبه و سلم.

انتهيت من تفريغ هذه المحاضرة يوم 8/ربيع الأول/1439
بعد صلاة الظهر: أبو إبراهيم محمد بن شريف.

وقال الشيخ:

والكلمة أيها الإخوة أو الكليمة التذكيرية ، حول قضية تراها من الأهمية بمكان ، خاصة في مثل هذه الأزمان _ زمن الغربة وغربة الحق وأهله _ ، من الصوارف عن الحق كثيرة ، والملهيات أكثر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وقد رغبت في أن أذكركم بأمر مهم جدا ً ، لا أخال شيئا ً في مكان من الأمكنة إلا ويحتاجه ، إذا ما تأملت ونظرت وشرَّقت أو غرَّبت ، إلا وجدت أهمية هذا الموضوع وحاجة الناس إليه خاصة كما قلت ، إذا ما رأى الإنسان وشرَّق وغرَّب ، مِن تسلط دعاة الشهوات أو دعاة الشبهات ، وكل يضرب بقوة وبعمق لتتزلزل هذه القضية المحورية ، الجوهرية المفصلية ، فهي قضية من القضايا الكبرى ، وإهمالها وإغفالها خطيئة ، وإذابة لأمر عظيم وجسيم يختص بالاعتقاد والتعبد لله جل و علا ، إذ مما يدخل تحته اعتقاد أو عقيدة الولاء والبراء ، ويدخل تحته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويدخل تحته شعيرة التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، ويدخل تحته ويدخل تحته الكثير والكثير .
أقول ويضربون في هذه المسألة بعمق ، فكثر الناعقون والمتكلمون والمتفيقهون والمتشدقون ، ليصرفوا أهل الحق من الحق ، بل ويزلزلوا ويزعزعوا الحق الذي يعلمون ويعرفون ، وما ذلك منهم إلا عندما وجدوا ولمسوا ضعفا ً من حملة الحق وأهله ، فلا تقوى شوكة أهل الأهواء والبدع ، وأهل السوء ودعاة الشهوات أو الشبهات ، إلا في حين غفلة وضعف شديدين من أهل الحق وحملته ، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره من أهل العلم أنه ( لا تظهر السنة في مكان ويقوى أهلها ، إلا وضعفت البدعة أو كادت أن تختفي ، وكلما ضعفت السنة وضعف حملتها _ وضعفها إنما بسبب ضعف حملتها _ ، قويت البدعة ) يعني مسألة طردية ، تقوى هذه تضعف تلك ، تضعف هذه تقوى تلك وهكذا . فيا لغربة الإسلام وحملة الحق ودعاته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
الضرب أيها الأحبة والنيل كما قلت من الحق وحملته يضرب بعمق وبقوة لمن تذكر وتأمل ، وهذا من اشتداد الغربة التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم ، في الحديث المخرَّج في السنن وغيره ، إن الإسلام بدأ غريبا ً ( بدأ الإسلام غريبا ً وسيعود غريبا ً كما بدأ ) ، قد وعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغرباء بأن ( طوبى للغرباء ) ، وهؤلاء الغرباء إنما سُموا غرباء لا لشيء ، وإنما السبب في ذلك بُعدُهم عما عليه الناس ، من الهوى والضلال والإضلال ، بعدهم عن الشهوات والشبهات ، ذنبهم في نظر هؤلاء اقتفائهم السنة ولزومهم السنة ، وفي أمثال هؤلاء يقول الإمام الهمام ، العَلَم المقدام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله تعالى وغفر له ، في كتابه العظيم مدارج السالكين ، عندما تكلم شارحا ً عن الغربة وأهلها وحديث الغرباء ، قال : ( المؤمنون في أهل الإسلام غرباء وأهل العلم في المؤمنين غرباء وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فهم غرباء ) يعني في أهل العلم الضمير في قوله ( فيهم ) أي في أهل العلم ، ( والداعون إليها الصابرون على أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا ً فلا غربة عليهم وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله عز وجل فيهم : ( وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ( الأنعام) ، قال : ( فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه وغربتهم هي الغربة الموحشة وإن كانوا هم المعروفين المشار إليهم ) ، ثم ذكر رحمه الله بعضا ً من صفات هؤلاء ، قال : ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم  .
ما هي صفاتهم ؟ قال : ( التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم  لا شيخٍ ٍ ولا طريقةٍ ولا مذهب ولا طائفةٍ بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده وإلى رسوله بالإتباع لما جاء به وحده وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً وأكثر الناس بل كلهم لائم لهم ، فلغربتهم بين هذا الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم.
بل الإسلام الحق الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه هو اليوم أشد غربة منه في أول ظهوره وإن كانت أعلامه ورسومه الظاهرة مشهورة معروفة فالإسلام الحقيقي غريب جداً وأهله غرباء أشد الغربة بين الناس وكيف لا تكون فرقة واحدة قليلة جداً غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع ورئاسات ومناصب وولايات لا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول ) صلى الله عليه وآله وسلم ( فإن نَفَس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم وما هم عليه من الشبهات والبدع التي هي منتهى فضيلتهم وعملهم والشهوات التي هي غايات مقاصدهم وإراداتهم فكيف لا يكون المؤمن السائر إلى الله تعالى على طريق المتابعة غريبا ًبين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم وأطاعوا شحهم ) .
إلى أن قال : ( فإذا أراد المؤمن الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه وفقها في سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأراه ما الناس فيه من الأهواء والبدع والضلالات وتنكبهم عن الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه
فإذا أراد أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه وإزرائهم به وتنفير الناس عنه وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعه وإمامه صلى الله عليه وآله وسلم فأما إن دعاهم إلى ذلك وقدح فيما هم عليه فهنالك تقوم قيامتهم ويبغون له الغوائل وينصبون له الحبائل ويجلبون عليه بخيل كبيرهم ورجله فهو غريب في دينه لفساد أديانهم غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم غريب في صلاته لسوء صلاتهم ، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم غريب في نسبته لمخالفة نسبهم غريب في معاشرته لهم لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته لا يجد من العامة مساعداً ولا معيناً فهو عالم بين جهال صاحب سنة بين أهل بدع داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى الأهواء والبدع آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قوم المعروف لديهم منكر والمنكر معروف ) . انتهى كلامه رحمه الله ، وما أشبه اليوم بالبارحة .
فهؤلاء الغرباء كما قلت يشتد أو تشتد وطأة أهل الباطل من أهل الشهوات والشبهات على الحق وحملته ، فكان لزاما ً على أهل الحق ودعاة السنة أن يلزموا العلم الصافي ، و أن يأخذوا بالعلم السني ، ففيه العصمة والنجاة والفلاح والسعادة ، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله : ( الفوز والسعادة والكمال والفلاح في نوعين ، العلم النافع والعمل الصالح ) ، ويا أحبتاه ، ويا أخوتاه ، الله الله في هذا العلم قبل أن يضرس، الله الله بالتزود منه ، فَوَ الله وبالله وتالله ما علا سيف العلم والسنة رأس هوىً أو شهوة إلا وقطعها ، لأنك قد التجأت إلى المعصوم ،قال الله جل في علاه : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16) الأنعام ، يقول الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري رحمه الله ، عند هذه الآية ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) ، قال : يعني بالنور محمدا ً صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي أنار الله به الحق ، وأظهر به الإسلام ، ومحق به الشرك ، فهو نور لمن استنار به ، فهو نور لمن استنار به ، صلى الله عليه وآله وسلم يبين الحق ، هكذا كان لزاما ً أن يكون أهل الحق على ذكر من ذلك .
والقضية المفصلية الكبرى التي كنت قد أشرت إليها ، ومهدت إليها بهذا التمهيد ، هي قضية ( التميز والتمايز عند أهل السنة ) ، التميز والتمايز ، فهذه القضية الكبرى التي يسعى أهل الضلال والهوى والشهوات أن يذيبوها وأن يذيبوا أهلها ، فلا تميز عندهم ولا تمايز ومباعدة .
الميز والتمييز أيها الأحبة يقال في اللغة هو الفصل بين المتشابهات ، ولذا يقال : ( مازه ، يميزه ، ميزا ً وميَّزَه تميزا ً) ، لذا قال تعالى : ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) ، وفي قراءة حمزة والكسائي وغيرهما ( لِيُمَيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) ، ويطلق التمييز أيضا ًعلى قوة الاستنباط وقوة الدماغ والعقل ، لذا يقال فلان عنده تمييز ، وفلان لا تمييز عنده .
قضية التمييز هذه الكبرى القضية العظيمة ، وماذا نعني بالتميز ؟!!!
تميز أهل السنة وأهل الحق بصفاء الاعتقاد وصحته ، وتميزهم بصدق الإتباع ، يوحدون المُرسِل ويوحدون المُرسَل ، فيوحدون المُرسِل سبحانه وتعالى ، ويعبدونه حق عبادته ، ويوحدون المُرسَل ، بصدق الإتباع وتجريده له صلى الله عليه وآله وسلم ، يتميزون مع ذلك كله مع سلوك حسن ، وإتباع لسنته في ذلك كله ، في دقيق الأمر وجليله ، لا تفريق في ذلك لا تفريق في ذلك ، تميز في العبادة والسلوك والمعاملات ، تميز بإتباع الحق والبحث عنه والانقياد له ، و تمايز و مفارقة عن كل ما يضاد الحق ، ومفارقة لمن يعاند الحق ويضاده ، فترى أهل الحق يتمايزون عن أهل الضلال والكفر والعناد والبدع ، فالله جل و علا يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (37) ) (الأنفال) ، ويقول تعالى ( لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ) ، ذكر الإمام ابن كثير في التفسير عند هذه الآية قولا ً نسبه إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، قال : ( يميز أهل السعادة من أهل الشقاء ) ، وذكر عن غيره أنه ( يميز المؤمن من الكافر ) ، ويقول شيخ شيوخنا الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله تعالى وغفر له ، في قول الله جل وعلا : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40) وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (41) وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) ) ( البقرة ) ،
قال رحمه الله تعالى في قوله :( وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ ) ، قال : ( لَا تَلْبِسُوا ) لا تخلطوا ، قال : فنهاهم عن شيئين ، عن خلط الحق بالباطل ، وكتمان الحق ، لأن المقصود من أهل الكتاب والعلم ، أو من أهل الكتب والعلم ، المقصود : تميز الحق وإظهار الحق ليهتدي لذلك المهتدون ويرجع الضالون ، وتقوم الحجة على المعاندين ، لأن الله فصَّل آياته وأوضح بيَّناته ، لماذا فصَّل الله جل وعلا وأوضح ؟ .
قال : ( ليميز الحق من الباطل ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين ، فمن عمل بهذا من أهل العلم ، فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم ، ومن لَبَّس الحق بالباطل فلم يميز هذا من هذا مع علمه بذلك ، وكتم الحق الذي يعلمه وأمِرَ بإظهاره ، فهو من دعاة جهنم ، لأن الناس لا يقتدون في أمر دينهم بغير علمائهم ، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين ، فاختاروا لأنفسكم إحدى الحالتين ) ، انتهى كلامه رحمه الله وغفر له .
وقال الله جل وعلا : ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) ) ( آل عمران ) ، ذكر بعض أهل العلم عند هذه الآية ، قال : ( أن ما أصاب المؤمنين في تلك الغزوة وهي أحد فحزنتم على ذلك ، فقد أصاب المشركين جراح وقتل ، مثل ذلك في غزوة بدر من قبل ، وتلك الأيام يصرفها جل و علا بين الناس لما في ذلك من الحكمة ) ، قال : ( حتى يظهر ما علمه الله ، أو حتى يظهر ما علمه الله جل وعلا في الأجل ، ليميز الله المؤمن الصادق من غيره ، من غيره . ) ، وهكذا في آيات كثيرات .
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وغفر له ، في كتابه الفوائد ، قال الله جل و علا : ( وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (55) ) ( الأنعام ) ، قال : وقال تعالى :
( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (115) ( النساء ) ، قال رحمه الله معلقا ً على الآيتين الأولى من الأنعام والثانية من النساء ، قال : ( قد بين سبحانه في كتابه سبيل المؤمنين مفصّلة , وسبيل المجرمين مفصّلة , وعاقبة هؤلاء مفصّلة , وعاقبة هؤلاء مفصّلة ، وأعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء وأولياء هؤلاء , وأولياء هؤلاء وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء , والأسباب التي وفق بها هؤلاء , والأسباب التي خذل بها هؤلاء , وجلا سبحانه الأمرين ) يعني طريق المجرمين وطريق المؤمنين ، (وجلا سبحانه الأمرين في كتابه وكشفهما وأوضحهما , وبيّنهما غاية البيان حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام.
فالعالمون بالله وكتابه ودينه عرفوا سبيل المؤمنين معرفة تفصيلية , وسبيل المجرمين معرفة تفصيلية , فاستبانت لهم السبيلان كما يستبين للسالك الطريق الموصل إلى مقصوده , والطريق الموصل إلى الهلكة ، فهؤلاء ) يعني العالمون بالله وبكتابه وبدينه على سبيل التفصيل في الجرمين وسبيل المؤمنين ، قال : ( فهؤلاء أعلم الخلق وأنفعهم للناس وأنصحهم لهم , وهم الأدلاء الهداة , وبذلك برز الصحابة على جميع من أتى بعدهم إلى يوم القيامة ، فإنهم نشأوا في سبيل الضلال والكفر والشرك والسبل الموصلة إلى الهلاك وعرفوها مفصّلة, ثم جاءهم الرسول فأخرجهم من تلك الظلمات إلى سبيل الهدى , وصراط الله المستقيم , فخرجوا من الظلمة الشديدة إلى النور التام , ومن الشرك إلى التوحيد , ومن الجهل إلى العلم , ومن الغي إلى الرشاد , ومن الظلم إلى العدل , ومن الحيرة والعمى إلى الهدى والبصائر , فعرفوا مقدار ما نالوه وظفروا به , ومقدار ما كانوا فيه ، فإن الضد يظهر حسنه الضد , وإنما تتبين الأشياء بأضدادها ، فازدادوا رغبة ومحبة فيما انتقلوا إليه , ونفرة وبغضا لما انتقلوا عنه , وكانوا أحب الناس للتوحيد والإيمان والإسلام وأبغض الناس في ضده , عالمين بالسبيل على التفصيل ، وأما من جاء بعد الصحابة , فمنهم من نشأ في الإسلام غير عالم تفصيل ضده , فالتبس عليه بعض تفاصيل سبيل المؤمنين بسبيل المجرمين, فإن اللبس إنما يقع ) ،
انتبه إلى هذا ، قال : ( إن اللبس إنما يقع إذا ضعف العلم بالسبيلين أو أحدهما كما قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : " إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " ) .
وقال رحمه الله : ( وهذا من كمال علم عمر رضي الله عنه, فإنه إذا لم يعرف الجاهلية وحكمها وهو كل ما خالف ) ،
ما هي الجاهلية ؟ : ( كل ما خالف ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه من الجاهلية , فإنها منسوبة إلى الجهل , وكل ما خالف الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من الجهل . فمن لم يعرف سبيل المجرمين , ولم تستبن له, أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين ) ,
انتبه !! ( فمن لم يعرف سبيل المجرمين, ولم تستبن له , أوشك أن يظن في بعض سبيلهم أنها من سبيل المؤمنين كما وقع في هذه الآية من أمور كثيرة في باب الاعتقاد والعلم والعمل هي من سبيل المجرمين والكفار وأعداء الرسل , أدخلها من لم يعرف أنها من سبيلهم في سبيل المؤمنين , ودعا إليها , وكفّر من خالفها , واستحل منه ما حرمه الله ورسوله ,كما وقع لأكثر أهل البدع من الجهمية والقدرية والخوارج والروافض وأشباههم, ممن ابتدع بدعة, ودعا إليها, وكفّر من خالفها ) .
ثم ذكر أصناف الناس رحمه الله تعالى في هذا الموضع ، وأنه على أربعة أقسام ، قال :
( الفرقة الأولى: من استبان له سبيل المؤمنين وسبيل المجرمين على التفصيل علماً وعملاً , ) قال : ( وهؤلاء أعلم الخلق ) .
قال : ( والفرقة الثانية : من عميت عنه السبيلان من أشباه الأنعام , وهؤلاء بسبيل المجرمين أحضر , ولها أسلك ) .
( والفرقة الثالثة : من صرف عنايته إلى معرفة سبيل المؤمنين دون ضدها فهو يعرف ضدها من حيث الجملة والمخالفة , وأن كل ما خالف سبيل المؤمنين فهو باطل وإن لم يتصوره على التفصيل , بل إذا سمع شيئا مما خالف سبيل المؤمنين صرف عنه سمعه , ولم يشغل نفسه بفهمه, ومعرفة وجه بطلانه , وهو بمنزلة من سلمت نفسه من إرادة الشهوات فلم تخطر بقلبه ولم تدعه إليها نفسه , بخلاف الفرقة الأولى , فإنهم يعرفونها وتميل إليها نفوسهم ويجاهدونها على تركها ) .
قال : ( وهكذا من عرف البدع والشرك والباطل وطرقه فأبغضها لله , وحذرها وحذّر منها , ودفعها عن نفسه , ولم يدعها تخدش وجه إيمانه , ولا تورثه شبهة ولا شكا , بل يزداد بمعرفتها بصيرة في الحق ومحبة له , وكراهة لها ونفرة عنها , أفضل ممن لا تخطر بباله ولا تمر بقلبه ) . وذكر كلاما ً طويلا ً حول هذا ثم قال :
( الفرقة الرابعة : فرقة عرفت سبيل الشر والبدع والكفر مفصلة وسبيل المؤمنين مجملة , وهذا حال كثير ممن اعتنى بمقالات الأمم ومقالات أهل البدع , فعرفها على التفصيل ولم يعرف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك , بل عرفه معرفة مجملة وإن تفصلت له بعض الأشياء ، ومن تأمل كتبهم رأى ذلك عيانا ، وكذلك من كان عارفا بطريق الشر والظلم والفساد على التفصيل سالكا لها , إذا تاب ورجع عنها إلى سبيل الأبرار يكون علمه بها مجملا غير عارف بها على التفصيل معرفة من أفنى عمره في تصرفها وسلوكها.
والمقصود أن الله سبحانه يحب أن تعرف سبيل أعدائه لتجتنب وتبغض , كما يحب أن تعرف سبيل أوليائه لتحب وتسلك ، وفي هذه المعرفة من الفوائد والأسرار ما لا يعلمه إلا الله ) . انتهى كلامه رحمه الله .
إذاً أيها الأحبة : مسألة التميز والتمايز ، لو تأملت سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ، لظهر لك أهمية هذه القضية ، لظهرت لك أهمية القضية وأنها قضية كبرى ، والرسول عليه الصلاة والسلام ، قبل أن يؤمر بالصدع بالحق وبالتوحيد ، كان يلقب في قريش ( بالصادق الأمين ) ، وإنهم ما جربوا عليه كذبا ً ، وكانوا يحمدونه عليه الصلاة والسلام وهو أهل لذلك ، لكنه لما علا وأمر بالصدع بالحق وطبق الأمر الإلهي : ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ) (النحل) ، قاموا عليه وذموه ، وقال له عمه أبو لهب : ( تبا ً لك ألهذا جمعتنا ؟ ) ، وسلطوا عليه السفهاء ، وقالوا كاهن وساحر ومجنون ، وقالوا ، وقالوا ، وقالوا .
وانظر يا رعاك الله كيف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، تميز بدعوته إلى التوحيد وإلى الحق و مايزهم ، وما قاربهم مايزهم وفارقهم ، بل تمايز أصحابه الذين آمنوا به ، وبدؤوا يخرجون فيهم تلك الكلمات الفاجرات .
أقول : حتى كانوا يقولون في أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ينبزونهم بنبزٍ للتنفير عن الحق وحملته ، وهو أنهم كانوا يقولون عنهم أنهم صابئة ، فتميز الرسول عليه الصلاة والسلام ، بصحة اعتقاده ودعوته إلى الحق ، وسلوكه الحسن وخلقه الرفيع ، إلى غير ذلك مما هو معروف من شمائله وسيرته ، صلوات ربي وسلامه عليه ، وتميز أصحابه الذين آمنوا به ، بالتمسك والاعتصام ، فهؤلاء يضربون ويجلدون على رمضاء مكة ، على أن يرجع الواحد منهم عن دينه الذي آمن به فلا يرجع ، حتى إن أحدهم ليقول لأمه : ( والله يا أماه لو أن لك مئة نفس تخرج الواحدة تلو الأخرى ما تركت هذا الدين ) ، حتى إن بعض أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام ، لما كان يعذب ، وكان جمعٌ منهم يعذب في رمضاء مكة كذا مره كان إذا مر بهم النبي عليه الصلاة والسلام يصبرهم ، لأنه ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10) ) ( الزمر ) ، كان بعضهم يقول يا رسول الله ادع الله لنا _كما في الصحيح عند البخاري ومسلم وغيره _ غضب النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : ( إن من كان قبلكم كان يؤتى بالرجل فيوضع على مفرق رأسه المنشار أو المنشار فينفلق فلقتين على أن يرجع عن دينه ولا يرجع ) ، تميز الصحابة ، تميزوا رضي الله تعالى عنهم وتمايزوا عن أهل الكفر والإلحاد ، وانظر وأنا أذكر بعض الأمثلة مما تدل على وجوب التميز والتمايز .
وهكذا كان عليه الصلاة والسلام ، وهكذا كان الصحابة جميعهم ، وهكذا الأئمة المجتهدين والمصلحين وسادات الأمة من سلفنا الصالح كانوا كذلك ، فهذا الصدّيق الأكبر رضي الله عنه أبو بكر صاحبه ، لما مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحصل ما حصل ، كيف الصحابة ماجت بهم هذه الفتنة ، ومالت بهم هكذا وهكذا ، أقول : مالت فتن عظيمة ، وبالفتن يتميز أهل الحق ودعاة الحق العارفون العالمون بالحق ، كما ذكر الإمام ابن القيم فيما مضى لما جاء الخبر ، لما جاء الخبر كما قلت ، وصار منهم ما صار ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : ( من قال أن محمدا ًقد مات قطعت عنقه بهذا السيف ) ، وقف الصديق الأكبر رضي الله عنه وقفة صدق وتميز و تمايز ، فقام فقال : ( من كان يعبد محمدا ً فإن محمدا ً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ) فخر عمر رضي الله عنه وعنهم جميعا ً على ركبتيه ، وكأنه لم يسمع إلا تلك الساعة ، هكذا تميز الصديق رضي الله عنه ، ولهذا تميزت مواقفه ، تحتاج منه إلى حزم لمثل هذا للتفصيل والذكرى و ( الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ) ، ونفعتهم رضي الله عنهم جميعاً ، تميز رضي الله تعالى عنه في حرب الردة ، وفي قتال مانعي الزكاة ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالفه ابتداء ً ، كيف تقاتل من يقول لا إله إلا الله ، قال : ( والله لو منعوني عقالا ً كانوا يئودونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم عليه ) ، لأنه علم أن من حقها ، علم أن من حق لا إله إلا الله دفع الزكاة ، فرجع عمر إلى قوله .
وهكذا كلهم تميزوا وكلهم تمايزوا في الحق والثبات عليه والدعوة إليه ، و يبذلون النفس والنفيس دون ذلك ، تميزوا بالصفاء كما قلت وتمايزوا ، وتمايزوا بعلم وعدل ، رضي الله عنهم وأرضاهم ، وهذا الإمام عبد الله بن عباس الحبر البحر ، كما في مناظرته للخوارج عند الحاكم في المستدرك ، والبهيقي في الكبرى في إسناد صحيح وهي قصة مطولة ، كانوا نحو من ستة آلاف كما هي الرواية عندهما ، فاستأذن عليا ً أمير المؤمنين رضي الله عنه في الخروج إليهم ، فخرج وجاءهم وهو واحد وهم ستة آلاف ، لم يحمل معه سيفا ً إلا سيفا ً واحدا ً ، وهو سيف العلم والسنة ، فعلا رؤوس تلك القوم ، علا رؤوس تلك الأقوام وتلك الناس ، فقطع شبههم واجتثها من أصولها وجذورها ، فما والله ما علا سيف السنة والعلم ، أقول : ما علا سيف السنة والعلم رؤوس أهل الأهواء والشهوات إلا وقطعها بعلم وعدل ، وهكذا تميز بعلمه وصفاته وصحته واستقامته ، وتمايز عنهم ومايزهم وفاصلهم على الحق وبالحق وللحق .
وانظر لك أن تتأمل في سيرة الإمام الهمام إمام أهل السنة الإمام أحمد بن حنبل ، هذا الرجل الذي قيضه الله لهذه الأمة في تلك المحنة ، كيف أوذي في سبيل الله ، كيف أوذي هذا الرجل في سبيل الله في مقابل أن يجبر أو أن يقول كلمة الكفر ، ويرد بعلم وحلم ، ( يا أمير المؤمنين ائتني بآية من كتاب الله أو بحديث من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقول به ) انظر إلى هذا التميز والتمايز ، تميز كما قلت وتمايز ، أقول : ظهر بهذا ومايز أهل الأهواء جميعا ً مايزهم وتميز عنهم ، وهذه الفتنة مات فيها خلق وأجاب فيها بعضهم ، وغضب الإمام أحمد من جماعة من الأئمة ممن أجاب في الفتنة كابن معين وابن المديني ، لأنه يرى أنهما من الأئمة ومحل أنظار الناس ، وكيف أن الناس من العامة قد تفتن من إجابة إمام ، ولكن تميز رضي الله تعالى عنه ورحمه ، وما ننعم به من هذه العقيدة الصافية الصحيحة في مثل هذه المسألة و أشباهها ، أعني الخلق _ خلق القرآن _ القول بالخلق ، نعم ما هو إلا من ثمرات هذا الإمام وصبره وجهاده ، وهو ذلك بتوفيق الله له وإنعامه وإكرامه له .
وهكذا الإمام ابن تيمية الحراني مثلا ً، هذا الإمام المجدد تجمعت الناس عليه ، من أهل الأهواء من الرافضة والمتصوفة والقبورية والأشاعرة وغيرهم ، ويكتب ويجيب ويبين ويسدد ويرد ويدفع ويذب عن الحق وأهله ، وكان رحمه الله يؤذى ويسجن ويهان ويضرب في سبيل أن يكف قولة الحق ، ولم يكف رضي الله عنه ورحمه ، تكلم بحجة وبرهان دون ظلم لأحد ، وبين للحق وتميز بهذا العلم السني الصحيح ، وتمايز عن أهل الأهواء ، بل إنهم استعدوا عليه العلماء في ذلكم العصر ، واستعدوا عليه السلاطين ، حتى أصدروا مرسوما ً سلطانياً في كفر ابن تيمية ومن قال بقول ابن تيمية ، وأمر الخليفة في ذلكم الوقت أو الوالي أن يقرأ بيان تكفير ابن تيمية واستتابته على المنابر في يوم الجمعة ، وتميز رضي الله عنه ورحمه ، فانظر إلى آثار أولئك وإلى أثره رضي الله عنه الآن .
وانظر إلى الإمام محمد بن عبد الوهاب الإمام المجدد كيف لما ظهر في بيئة كلها شرك وعبادة للأشجار والأحجار (*****) وغير ذلك ، وقربات ونذور وشد الرحل إلى الأضرحة وغير ذلك ، تميز رضي الله عنه ورحمه ببيان الحق للخلق ودعوتهم توحيد الله ، وتجريد التوحيد له جل وعلا ، وجاهد في الله حق جهاده بما آتاه الله من علم ، طالبا ً رضا الله جل و علا ، مدافعا ً عن الحق مبيناً للصواب فأظهر الله به الحق ، وأيده سبحانه وتعالى بالإمام محمد بن سعود ، فتناصرا وانتصرا ونصر الله الحق وأهله ، وتميزا كما قلت بالعلم والدعوة إليه ، وتمايز أو تمايزوا .
وهكذا إلى عصور متأخرة لك أن تنظر إلى عصرنا الحاضر لأئمة الدعوة وعلمائها في عصرنا ، كسماحة الإمام عبد العزيز ابن باز أو شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله و بالعلامة المحدث الألباني ، وكلهم أئمة وغيرهم من علماء العصر ، إذ رحم الله من مات وحفظ من بقي .
وهكذا تميز و تمايز ، ولا يعني ذلك أن المرء منهم لا يقع في الغلط ، أعني أن أهل العلم كلا فإنهم غير معصومين ، لكن نعتقد أنهم لا يتعمدون مخالفة الحق ، ولك أن تنظر أيها الحبيب وتتأمل في حديث النبي عليه الصلاة والسلام المخرج في الصحيح عند مسلم وغيره حديث الدجال الذي يأتي آخر الزمان ، ويأتي على المدينة ويريد أن يدخلها ، على أنقابها ملائكة يردونها ويحرسونها ، ترجف المدينة ثلاث رجفات ، فيخرج منها كل مشرك ومنافق ، وفي الحديث أنه يخرج إليه شاب من أهل المدينة ، شاب !! ، يخرج إليه شاب من أهل المدينة فيسأله ، أقول فيسأله ويمتحنه ، ومعلوم أن هذا الدجال فتنة عظيمة ، يأتي ومعه جنة ونار يأتي يفتن الناس ، يأتي إلى السماء فيقول لها أمطري فتمطر ، ويقول للأرض أنبتي فتنبت ، فتنة عظيمة ويخرج إليه الناس (*****) والعياذ بالله يفتنهم ، فإذا ما جاء ذلكم الشاب فيكفر به ، فيفلقه بين الناس فلقتين ، ويشقه نصفين وهذا الشق بين الناس يفتنهم أكثر به ، ثم يمر من وسطه ويقول له _ يأمره بالعودة والحياة _ فيعود وهذه فتنة عظيمة أشد من الشق ، فيسأله عنه ، فقال ما ازددت بك إلا كفرا ، أنت الذي حدثنا عنك رسول الله ، أنت الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهذا الحديث الصحيح كما قلت _ حديث الدجال _ حديث طويل هو في مسلم والبخاري وهو حديث صحيح ، يقول هذا الشاب مستشهدا ً مستدلا ً بمن لا ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وآله وسلم ، قال أشهد أنك أنت الدجال الذي حدثنا عنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذرنا منك ، مع أن الشاب لم يسمع لكنه قرأ حديث رسول الله وآمن به ، فانظر بارك الله فيك إلى تميز هذا الشاب عمن استجاب للدجال ، و وتمايز عنهم بثباته على السنة ومنابزته للدجال ومن آمن به ، فيحاول فيه أن يسلط عليه أو أن يقتله مرة أخرى فلا يستطيع فلا يستطيع ، استدل هذا الشاب كما قلت بقول من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، يا أخوتاه يقول الله جل و علا : ( وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) ) (آل عمران ) .
فالتميز أيها الأحبة والتمايز مهم جدا ً لإظهار معالم هذه السنة النقية الغراء الصافية ، إظهار معلم الولاء والبراء ، إظهار معلم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إظهار المحبة في الله والبغض في الله ، إظهار كثير من شعائر الدين كما قلت بعلم وعدل لا وكت فيه ولا شطط ، وكم الذين يحاولون إغواء الناس وطمس هذه الحقيقة الشرعية العظيمة والقضية الكبرى كما قلت ، فيكون أهل السنة لا تميز عندهم ولا تمايز ، خلطوا على الناس هذه الثوابت ، شككوهم في ثوابتهم زعزعوهم في وصولهم ، مزقوهم في تمايزهم ، أذابوا مظاهر إظهار الحق إل غير ذلك في كثير من الناس أو عند كثير من الناس ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نسأل الله اللطف والسلامة والعون والإعانة ، فلا يدرك عون إلا بفضله جل و علا ، أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن ينفعنا بما نقول ونسمع ، وأن يلهمنا الصواب في القول والعمل وأن يثبتنا وإياكم على الإسلام والسنة حتى نلقاه وهو راض عنا ، صلى الله وسلم وبارك على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم .
جزا الله فضيلة الشيخ عبد الله البخاري خير الجزاء على ما قدم وأفاد ، ونسأل الله عز و جل أن يجعل ما قاله في موازين حسناته يوم القيامة .
السؤال الأول : ما حكم الشرع في قول القائل ينبغي أن ينشأ الأطفال عل عدم كراهية الدين الآخر وإنما يعطون الحرية ؟
الجواب : هذا القول إذا ما قستموه ونظرتم إليه من المنظور الذي ذكرنا والميزان الذي بينا ، نعم ظهر لكم حكم هذا القول ، وظهر لكم الموقف الصحيح منه ، وهو أنه قول باطل ، قول باطل جملة وتفصيلا ً ترده النصوص ، ( لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) ) (آل عمران ) ، آيات كثيرة ، لا ينبغي أن يُعود هذا الأمر ليس لي ولا إليه ، إنما هو شرع محكم (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ ) ، قال الله جل وعلا : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) (الأنعام ) بل الذي لا ينبغي أن لا يتكلم أمثال هؤلاء أو أمثال هؤلاء في مسائل الشرع ، الواجب عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يرحموا أنفسهم ، لأن في إمساكهم عن مثل هذا الكلام هو خير لهم ، قال صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا ً أو ليصمت ) أو ليصمت .
ما هي قضية تباين وإظهار الكراهة وإظهار ، قضية أكبر من هذا ، قضية أن الله لا يقبل من الناس إلا هذا الدين ، ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ) (آل عمران ) ، ويقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) ) ( آل عمران ) ،
ندعو الناس إلى أن يقبلوا هذا الدين ، وإلى أن يدخلوا فيه ، نرشدهم ندلهم نعينهم ، نبين لهم الحق نظهره ، ( فما زالت الأعمال عيارا ً على الأقوال ) كما يقول العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى .
لا يعني ذلك إظهار ، كما تفعله الخوارج يقتل الكافر في كل مكان ، ويستبيح مالا يجوز استباحته ، ويهتكون والعياذ بالله أعراض الناس ودمائهم ، ويتعدون على الحرمات ، هذا باطل لا نقابل غلو الخوارج بتفريطٍ مميت مُذهب لهذه المعالم الرئيسة .
يقول الإمام ابن تيمية في كتابه ( قاعدة في أنواع الاستفتاح في الصلاة ) ، ( الإنسان خلق ظلوما ً جهولا ً ، فالأصل فيه عدم العلم وميله إلى ما يهواه من الشر ، فيحتاج دائماً إلى علم مفصل وعدل مفصل ، علم يزول به جهله وعدل في محبته وبغضه وأخذه ومنعه وإعطائه ) ، وبالجملة يقول : ( وبالجملة فهو يحتاج دائما ً إلى علم مفصل يزول به جهله وعدل ينافي ظلمه ، فإن لم يمن الله عليه بالعلم المفصل والعدل المفصل ، وإلا كان فيه من الجهل والظلم ما يخرج به عن الصراط المستقيم ) ، لزوم الصراط هو الواجب .
في الأدب المفرد بإسناد حسن صححه العلامة الألباني أو حسنه ، أن عبد الله بن عمر كان له جار يهودي ، فصنع أهله طعاما ً يوما ً ثم دخل إلى البيت ، قال لأهله : أهديتم من طعامنا لجارنا اليهودي ؟ منكرا ًعليهم لِمَ لم تعطوه ، هذا من حسن المعاملة ، وحسن المعاملة من الدين ، ولا تلازم بين حسن المعاملة ، نعم مع البغض لما هو عليه من اعتقاد فاسد ونحله باطلة ، فهذا سبب في إسلام كثيرين كما هو ظاهر .
قد ذكر غير واحد من العلماء أن كثير من الناس ممن دخل من العجم في دين الله ، هو بسبب الأخلاق الحسنة والمعاملات الحسنة ، وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، كما في البخاري وغيره ، لما كان له جار يهودي له ابن على فراش النزع وزاره ، زاره عليه الصلاة والسلام وقال له أسلم ، طلبه ودعاه إلى الإيمان فنظر إلى الإسلام ، نظر الرجل أو الشاب إلى أبيه ، قال : أطع أبا القاسم ، قال : فنطق بالشهادة ، ثم قال النبي الحمد لله الذي نجاه من النار. 

لا يتنافى بين دعوة الخلق وبين بغض ما هم عليه من الكفر ، وهذه مسائل مهمة فقه الدعوة وفقه المعاملات مع أمثال هؤلاء ، وهذه من أحكام أهل الذمة وغيرهم .
جزآكم الله خيرا ًشيخنا الكريم .
هذا سائل يقول : شيخنا الكريم ، نأمل منكم أن يكون هذا اللقاء فاتحة للقاءآت أخرى .
والسؤال : ما هي ضوابط الرد على ما يكتب في الصحف ؟ ، وهل يرد على كل أحد ؟ ، أم هناك تفصيل ؟ ، ومن هو الذي يتولى الرد ؟ 
نرجو إن يسر الله عز و جل على كلامه أولا ً، نرجو أن تكون فاتحة خير كما قال ، نرجو إن شاء الله أن يدلنا وإياكم ، وأن يثبتنا وإياكم على السنة ، هذا أمر. 

الأمر الثاني : لا ينبغي الرد على جميع من كتب لكثرة أبواق الباطل ، لكن لا حرج في أن يُرَد على بعض أهل الباطل هؤلاء ، بعض من يجد في نفسه قوة علمية وهذا هو الواجب ، أن لا يتصدر للرد كل أحد ، فقد تكون الشبهة قوية ويعجز ويضعف الراد عن الإجابة عنها ، فتستقر الشبهة وتتأكد عند القارئ و السامع لها ، ولهذا ذم بعض أهل العلم الفخر الرازي ،( أنه يأتي بشبه القوم نعم قوية ، يسوقها بأحسن ما يمكن أن تساق ، لكنه يضعف عن ردها ) _ صعيبة عليه _ ، وهكذا فلا يرد على الباطل إلا من كان متأهلا ً ، ولا يرد على كل كلام ، إذا كانت كلمات متعددة ومقالات مثلا ً موضوعها واحد ، وغالبا ً هكذا طرائقهم ، هذا يطرق من وجه وهذا يطرق من وجه وهذا من وجه لكن الموضوع واحد ، فإذا ما رد أحدهم يرد على رأسهم وعلى كبيرهم الذي علمهم هذا الانحراف أو يدعوا إليه ، ويُضمن ذلك بالرد على غيره ويشير إشارة لنصرة الحق وبيانه والذب عن الحق ، ورد الباطل وأهله ، وعلى كل حال فمن المهم مع بيان الحق للخلق الرد على الباطل وأهله ، نعم وكما قلت لا يتصدر هذا كل أحد ، ومن المهم أن يكون الرد يتصف بصفات مهمة ( العلم ، قوة الحجة ، الاستيعاب ) ، لا يرد الباطل بباطل لأن رد الباطل بالباطل باطل ، ولا يرد البدعة ببدعة لأن رد البدعة ببدعة بدعة .
كما قال الأئمة : ( إنما يرد بعلم وحلم ويكون مقصده في مثل هذا الرد ، خاصة في مثل هذه المقامات كالصحف أن يقرأها عامة الناس ، فيكون ذلك سببا ً إن شاء الله لهدايتهم ، وقمع باطل أولئك ) ، على كل حال ينبغي أن تكون الكتابة مركزة ومهمة و على كل حال ، أيضا ً أنا قد كنت أبنت هذا لما كتبت بعض المقالات ، إن شاء الله لعلها تطبع ، أهمية الرد على المخالف وبيان جملة من ثماره ، ذكرت صفات من يتولى الرد على المخالف أيا ً كان المخالف ، صفات الذي يرد وبماذا يرد وكيف يرد ، فمن المهم هذا وأيضا ً العناية بدعوة الناس ، وتعليم الناس ، ونشر الحق في الناس ، ولا يضعف حملة الحق عن بيانه للخلق ، فإن هذه وظيفة الرسل ووارث حملة النبوة .
نسأل الله للجميع التوفيق . 
تم بحمد الله.
قام بتفريغه أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الأربعاء الموافق التاسع من ربيع ثاني لعام إحدى وثلاثين وأربعمائة وألف للهجرة النبوية الشريفة ، على صاحبها وآله أتم صلاة وتسليم .


http://elbukhari.com/lectures/%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%B5%D9%88%D9%84-%D8%A3%D9%87%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D9%8A%D8%B2-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D8%A7%D9%8A%D8%B2-%D9%81%D9%8A-%D8%B2%D9%85/